بقلم: ضحى الرفاعي
تحرير: نادين الدرباشي
هل فكرت بإنشاء دولتك الخاصّة من قبل؟ دولة لا تعني استقلالك عن وطنك الذي تنتمي له، بل دولة افتراضية، فجسدك في وطنك، وروحك في مكانٍ افتراضيٍّ، ربما كعالم آفاتار!
كنت أتساءل؛ هل فكّر مارك زوكربيرغ قبل أن يؤسس شبكته أنه سيقود دولة يصل عدد سكانها إلى 1.8 مليار مواطن كما أعلن في الثامن والعشرين من شهر تموز لهذا العام، وكما سبق أن أعلن عن وجود مليار مستخدم لتطبيق واتساب في الثاني من شباط هذا العام أيضاً؟
ربما يفقد السؤال السابق أهميته الآن، فبغّض النظر إن كان زوكربيرغ قد تنبأ بما صار واقعًا اليوم؛ صار واجبًا عليه أن يتّخذ بعض الإجراءات الضّرورية كأي دولة أكانت واقعيّة أم افتراضّي.، فأعداد شعب دولة مارك الزرقاء تتزايد بشكل مطّرد متجاهلةً حدود الجغرافيا، واللّغة، والعمر، والجنس، والثّقافة. ولهذا توجب عليه أن يبتكر بعض القوانين لدولته بحيث تكون متوافقةً مع دول العالم الواقعي التي ينتمي لها شعبه أيضاً بشكل مزدوج، فيخضع فيسبوك لقوانين تلك الدول بحدودها الجغرافية فقط، على أن تتولّى الدّول تعريف فيسبوك بتلك القوانين ليكون عليه تطبيقها.
يمكن لدول العالم الوقاعي أن تتقدّم بطلب إلى الفيسبوك، توضّح به قانونها وتخبره بورود انتهاك له؛ ليقوم الأخير بحجب ما خالف تلك القوانين، وذلك كتقييد منشور أو شخص ما يخالف تلك القوانين. ويقدم فيسبوك التّنازلات للحِفاظ على الودّ بين العالمين، فيؤكد احترامه لقوانين الدّول وينصاع لرغباتها بالولوج إلى حسابات خاصة، على أن يكون صاحبها قد تجاوز فعلًا تلك القوانين. فمثلًا لو كانت دولةٌ مثل ألمانيا تعتبر إنكار المحرقة مخالفةً قانونية، وتم إبلاغ فيسبوك عن وجود محتوى ما ينتهك هذا القانون؛ سيتم تقييد ظهور هذا المحتوى لكل من يتصفح فيسبوك في ألمانيا فقط.
في الوقت ذاته، بدأ فيسبوك منذ عام 2013 بإصدار تقريرٍ نصف سنويّ، يذكر فيه ما وصله من دول العالم من طلبات تعقّب لمعلوماتٍ خاصة بالمستخدمين، ونسبة الطلبات التي نفّذها من مجمل التي وصلته. تتعلّق غالبيّة هذه الطّلبات بحالاتٍ جنائيّةٍ كالخطف والسّرقة. وقد أصدر ستة من هذه التقارير حتى اليوم.
الخصوصية على الفيسبوك صيغة مجازيّة، لا تنخدع بها
الأردن كما كل الدّول كان مواطنيه المنتمين إلى دولة الفيسبوك يتجاوزون قوانين الدولة أحيانًا عندما يعيشون في الفيسبوك، فكان فيسبوك/الأردن (اسم لتقاطع العالَمين) عامرًا بالجرائم الإلكترونية، فتجد جرائم تتراوح بين التافهة والضخمة كالتي تهدّد أمن الدّولة، وكالاستغلال الجنسي للأطفال والنساء بشكل خاص، والابتزاز والتعدي على القوانين.
فقد توجّهت محكمة أمن الدّولة بطلب رفع الحصانة عن عن خمس نواب، كان أحدهم النائب طارق خوري، والذي اتهم بنشر ما يحرض به على مناهضة نظام الحكم في البلاد؛ على فيسبوك وتويتر، حسبما جاء في (عرب تايم).
وعلى الصعيد العربي اختفى الصحفي الأردني تيسير النّجار بتاريخ 13/12/2015 بعد مراجعته دائرة التحريات، لمعرفة سبب منعه من مغادرة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة في الإجازة، ليظهر بعد شهرين أنه كان في الحبس الانفرادي لأمن الدّولة طوال هذه المدة، والسّبب منشور كتبه إبّان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في عام 2014، حيث تضمّن المنشور ما أشيع عن تعاون دولة الإمارات العربية المتحدة مع مصر لتدمير أنفاق قطاع غزة.
ومع أن اسم الأردن لم يدرج ضمن تقارير الشفافيّة قبل النصف الثاني من العام 2014، إلا أن وجوده ضمن تسعين دولة تقريبًا يدل على تواصله مع فيسبوك للوصول إلى بعض المشتبهين، وهذا طبيعي بعد انتشار ما بات معروفاً باسم (الجرائم المُستحدثة)، وهي الجرائم التي ظهرت حديثًا وأبرزها تلك الإلكترونية مثل الجرائم التي تتم بواسطة فيسبوك.
بلغ مجموع الجرائم الإلكترونية التي تم رصدها خلال السّنوات الثلاث الأخيرة بحسب إحصائيات قسم الجرائم الإلكترونية في إدارة البحث الجنائي (5,284) جريمة، بواقع (4,303) ضحية. وقد تم ضبط (1,000) جريمة عام 2012، و(1,320) عام 2013، وضبطت (1,864) جريمة عام 2014، كما وصل عدد الجرائم الإلكترونية إلى (2,100) جريمة عام 2015.
بعد طرح الأردن كمثال، بات التّزايد في عدد التجاوزات ملاحظًا؛ لذلك بدأت الحكومات تجد نفسها عاجزةً عن العمل منفردة دون اللّجوء إلى ثالث أكبر دولة بالعالم (فيسبوك) لتطلب العون منها لكبح التجاوزات القانونية على هذا الموقع.
ولتضمن شركة فيسبوك (التي تتضمّن كل من فيسبوك،وماسنجر،وواتساب، وإنستجرام) شفافيتها كدولة تحترم شعبها، قامت بإصدار (تقرير الشفافية) التي سبق الإشارة له، وذلك كجزء من الجهود الدوليّة في الحفاظ على الأمن وتحقيق العدالة، وتسليط الضّوء على طلبات يمكن أن تشكّل في بعض الأحيان انتهاكًا لخصوصيّة المستخدم.
وفي آخر إصدار لتقرير فيسبوك للشفافية؛ يوضّح الجدول التالي الدول العربية التي تقدمت بطلبات، ونسبة ما تم تنفيذه من هذه الطلبات، وعدد الحسابات التي تتعلق هذه الطلبات بها؛ للعام 2015:
البلد العربي
|
إجمالي الطلبات
|
المستخدمون أو
الحسابات المطلوبة |
نسبة الطلبات التي تم بموجبها تسليم بعض البيانات |
الفترة الزمنية
|
|
الأردن | 7 | 12 | 14.29% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
البحرين | 3 | 10 | 0% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
الكويت | 3 | 8 | 33% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
مصر | 2 | 4 | 0% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
الإمارات العربية المتحدة | 2 | 6 | 0% | يناير، 2015 – يونيو، 2016 | |
لبنان | 2 | 2 | 0% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
قطر | 1 | 1 | 0% | يوليو، 2014 – ديسمبر، 2014 | |
تونس | 1 | 48 | 100% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
فلسطين | 1 | 1 | 0% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
سلطنة عمان | 1 | 1 | 0% | يناير، 2014 – يونيو، 2014 | |
العراق | 1 | 1 | 100% | يناير، 2015 – يونيو، 2015 | |
الجزائر | 1 | 1 | 0% | يوليو، 2014 – ديسمبر، 2014 | |
المملكة العربية السعودية | 0 | 0 | يناير، 2014 – يونيو، 2014 | ||
المغرب | X | – | – | – | |
ليبيا | X | – | – | – | |
اليمن | X | – | – | – | |
سوريا | X | – | – | – |
لكن هل هذا يعني أن من لم تطلب دولته بياناته الشّخصية ليس ضمن نطاق المنتهك خصوصيتهم؟ لا، فليست الدول فقط من ينتهك خصوصية المشتركين على الفيسبوك. يخبرنا فيسبوك في سياسات الخصوصية الخاصة عن وجود حالات إستثنائيّة: «لغايات الإعلان والدراسات أو المذكّرات القضائيّة»، وهذا يعني أن كل ما يقوم به المستخدم يتم جمعه منذ قيامه بالتّسجيل للحصول على حساب، وعند إنشاء أو مشاركة شيءٍ ما، وحتى مراسلة الآخرين والتواصل معهم. كما يقوم فيسبوك أيضًا بجمع معلومات عن كيفية استخدام خدماته، مثل أنواع المحتويات التي يعرضها المستخدم، وتفاعله معها، ومدى تكرار نشاطاته ومدتها. كمشاركة صورة، أو إرسال رسالة، أو تحميل معلومات الاتصال الخاصة به، أو مزامنتها أو استيرادها. وتكاد الأمور التي يجمعها الفيسبوك عن شعبه تفوق تلك التي جمعتها أجهزة المخابرات في العالم بأسره خلال العقد الماضي.
كل هذا يتم بموافقة شعب الفيسبوك، فأنت عندما سجّلت فيه وقّعت بإرادتك على شروط استخدام الموقع. فهل سيقبل شعب الفيسبوك انتهاك خصويّته طويلًا؟ أم أن هذا الشعب سيثور ذات يوم؟ ربما ليس الجيل الأول؛ وربما ليس الثاني، لا أحد يعرف، لكن هوس التجسس لدى أكبر شركة بالعالم من حيث المستفيدين من خدماتها لن يكون بلا أثر على شعبيتها.